ادعمنا

الدولة المارقة - Rogue State

غالباً ما يتم استخدام مصطلحي الأصدقاء والأعداء في الخطابات الأمريكية وسياساتهم واستراتيجياتهم الخارجية. فتصنيف الدول من المنظور الأمريكي دائم ويتبدل تبعاً للأحداث والمصالح الدولية. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تخلصت الولايات المتحدة من العدو الأبرز لها لاعتباره منافساً على الساحة العالمية، وبهذا تكون قد أطاحت بإمبراطورية الشر على حد اعتبارها. إلاّ أن الأحادية القطبية بعد الحرب الباردة لم يمنها من الشعور بالخوف من تنامي قوى أخرى أو التهديدات. وبالأخص بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر من العام 2001 التي كانت بمثابة ذريعة لإطلاق التصنيفات على الدول، مثل الدول المثيرة للقلق أو الدول الخارجة عن القانون أو الدول المنبوذة أو الدول العدوة أو الدول المارقة، فرأيناها تسيطر على الكتابات والخطابات الأمريكية. لذا ما المقصود بالدولة المارقة؟ وما هي المعايير التي على أساسها يتم تصنيف الدول على أنها كذلك؟ وما هي أبرز الآراء المعارضة لهذا لمفهوم؟

 

تعريف الدولة والمارقة

قبل البدء بالحديث عن الدولة المارقة بالتفصيل، سنتطرق أولاً لتعريف كل من مصطلح "الدولة" و "المارقة" تبعاً لتعريفهما المعجمي بهدف إزالة الغموض حولهما.

 الدولة: تبعاً للمعجم العربي الأساسي فإن الدولة "جمعها دُوَل ودِول ١- مصدر دال ٢- بلدٌ يخضع سكانه لنظام إداري سياسي اقتصادي خاص. ٣- حكومة ٤- انقلاب الزمان ٥- ما يتداول فيكون لهذا مرة ولذلك مرة." كذلك قد تم تعرفيها حسب قاموس بنغوين للعلاقات الدولية على أنها "تسمى أحياناً 'الدولة الأمة'  (nation- state) وتعد الطرف الفاعل الأساسي في العلاقات الدولية. ولها شخصية اعتبارية وبهذه الصفة فإنها تتمتع بموجب القانون الدولي ببعض الحقوق وتترتب عليها بعض الواجبات."

المارقة: بالاستناد للمعجم العربي الأساسي، فإن المارق مصدر مرق يعني "يمرق مروقاً فهو مارقٌ: ١- السهم من الرقبة: اخترقها وخرج منها بسرعة، ٢- الشخص من الدين: خرج ببدعة وضلالة. مارق جمعها مُراق: ١- الخارج عن دينه، ٢- نافذٌ من كل شيء لا يتعوج 'سهم مارق'." وتبعاً لقاموس وبستر الموسوعي المطول "مارق، صفة- لم يعد مطيعاً أو منتمياً أو مقبولاً، غير قابل للتحكم وتحميل المسؤولية، منحرف ذو ميول متوحشة غير عادية وغير قابلة للتنبؤ." 

 

تعريف الدولة المارقة

تُعرّف الدولة المارقة من قِبل أنتوني ليك على أنها الدول التي "تظهر عجزًا مزمنًا في التفاعل البناء مع العالم الخارجي." أما جاك دريدا في سياق تعريفه يحاول تفكيك مفهوم المروق، "حيث استهدف لفظ 'المارق' 'Voyou'، أولاً، ووصله فيلولوجياً بلفظ 'le roué'، مستخلصاً وجود روابط دلالية متعددة بينهما، فإذا جاز تعريب 'le roué' السفيه/ السافل، فإنه يمكننا القول، مع دريدا، أن المارق هو في النهاية سافل، وهو ذلك الذي تملك ذكاء وقدرة على الخروج والتمرد على القوانين والنواميس الاجتماعية والأخلاقية والسياسية... وهو القادر على السخرية منها والتبرؤ من طاعتها تمام التبرؤ..."  كذلك اعتبره في المجال السياسي "العاطل" أو "المقصي" أو "المغضوب عليه" الذي لم ينل رضا الحاكم أو السياسي.

كما أن خليل حسين تحدث في كتابه "العلاقات الدولية النظرية والواقع- الأشخاص والقضايا" عن الدولة المارقة كنظرية منطلقاً من المفهوم الأمريكي لها، فيقول: "الدولة المارقة وفقاً لمنظرين أمريكيين، هي الدول التي تخالف بانتظام الأعراف والأنظمة الدولية." ويضيف أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر هذه "الدول عدائية وتمثل تهديداً للسلام العالمي، وتصنفها بأنها أنظمة رجعية عدائية تجاه الأجنبي ومتعالية ولا تحترم قواعد المجتمع الدولي."

 

تطور مفهوم الدولة المارقة

شهد مفهوم الدولة المارقة تغيرات عدّة تبعاً لتغير السياسة الخارجية الأمريكية والمتعاقبين على رسمها والتأثير بها، فقد نسمع بمرادفات لها ولكن المضمون والمعنى نفسه. لذا سنعرض تطور مفهومها لنبيّن تعريفها من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومراحل استخدامها.

- استخدم رونالد ريغان (رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سابقاً 1981- 1989) مصطلح "امبراطورية الشر" ليصف الاتحاد  السوفياتي في تلك الحقبة. ونرى أنه استخدم هذا المفهوم ليعبّر عن النظرة الأمريكية لعدوها الرئيسي، هذا النعت متقارب مع مضمون ومعنى الدولة المارقة. فيقول هنري كيسنجر عن ريغان: "قد أطلق في أول مؤتمراته الصحفية على الاتحاد السوفياتي لقب امبراطورية خارجة عن القانون لا تتورع عن 'اقتراف أية جريمة أو كذب أو دسيسة' وسيلة لبلوغ أهدافها. فكان هذا نذيراً لوصفه الاتحاد السوفياتي عام 1983 ب 'امبراطورية الشر' وهو تحد أخلاقي مباشر أمسك عنه جميع أسلافه."

- وفي العام 1994 نُشرت مقالة لأنتوني ليك (مستشار الأمن القومي الأمريكي بعهد الرئيس بيل كلينتون) في مجلة  Foreign affairs فصّل فيها مفهوم الدولة المارقة، معتبراً أنه منذ انتهاء الحرب الباردة تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لنشر مبادئ الديمقراطية ولكن ينبّه على ضرورة التصدي للدول التي لا تريد الانخراط ضمن هذه المبادئ وفي الوقت عينه تعتدي عليها. لذا يقول "يجب أن تواجه سياستنا واقع الدول المتمردة والخارجة عن القانون التي لا تختار فقط البقاء خارج الأسرة ولكن أيضًا الاعتداء على قيمها الأساسية." فهذه الدول هي التي يُطلق عليها الدول المارقة ولقد حددها ضمن المقال نفسه بكوبا، كوريا الشمالية، إيران، العراق، ليبيا. وستُذكر لاحقاً المعايير التي استخدمها ليصنف الدول المارقة.

- وفي العام 2000  شهد هذا المصطلح تغيراً مع مادلين أولبرايت (وزيرة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية 1997- 2001)، حيث نقلت صحيفة واشنطن بوست في تلك الحقبة عنها قول "إنّ الدول المزعجة وغير الجديرة بالثقة والتي لديها صواريخ سوف توصف من الآن وصاعداً بوصف (الدول المثيرة للقلق) . 

- كذلك تنامى استخدام مفهوم الدولة المارقة بعهد جورج دبليو بوش (رئيس الولايات المتحدة الأمريكية  سابقاً 2001- 2009). حيث "في مؤتمر صحفي عقده بعيد الهجمات، سُئل الرئيس جورج دبليو. بوش: ‘لماذا يكرهوننا؟' وواو الجماعة في السؤال كان عائد على الإرهابيين ومؤيديهم، بمن منهم أولئك الذين كانوا يعرفون باسم 'الدولة المارقة' والتي ما لبث بوش أن وصفها ب 'محور الشر'". وهنا المقصود بعد هجمات ١١ أيلول، لذا عمدت الولايات المتحدة  الأمريكية على رسم استراتيجية الأمن القومي مع رفع الخطاب ضد الدول المارقة ومحور الشر على حد اعتبارهم.

- تقلص استخدام مصطلح الدولة المارقة مع  ولاية باراك أوباما (رئيس الولايات المتحدة سابقاً 2009- 2017, ليعود هذا المفهوم مع دونالد ترامب (رئيس الولايات المتحدة 2017-2020).  فقد أعاد استخدامه مع اعتبار كوريا الشمالية دولة مارقة كونها تستأنف تجاربها الصاروخية.

 

معايير تصنيف الدولة المارقة

لقد حدد أنتوني ليك مجموعة من المعايير التي يتم على أساسها تصنيف الدولة المارقة لضبط السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وتتجلى فيما يلي:

1- محاولة الحصول على أسلحة الدمار الشامل، فبعد هجمات أيلول 2001 وفي سياق مكافحة الإرهاب سعت الولايات المتحدة على الحد من حصول الدول على أسلحة الدمار الشامل معتبرة أن ذلك يُشكل خطراً على مصالحها وتهديداً للسلم والأمن الدوليين. وفي هذا الصدد صرّح جورج دبليو. بوش في العام 2002 في الويست بوينت نيويورك أن "أشد المخاطر التي تواجه الحرية تكمن في تلاقي الراديكالية والتكنولوجيا. فبعد انتشار الأسلحة الكيماوية، والجرثومية، والنزوية، الأسلحة الكيماوية، والجرثومية، والنزوية، بالإضافة إلى تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، وعندما حدث ذلك أصبحت حتى الدول الضعيفة، والجماعات الصغيرة قادرة على الحصول على قوة مدمرة كارثية لضرب الدول الكبرى وقد أعلن أعداؤنا عن نياتهم هذه وضبطوا وهم يسعون للحصول على هذه الأسلحة الخطيرة. وهم يرغبون في الحصول على تلك القدرات لابتزازنا، والحاق الضرر بنا وبأصدقائنا وإننا سنقف بوجههم بكافة قوانا."

2- مساندة التنظيمات الإرهابية من خلال تمويلها أو تسلحيها أو إيوائهم وتدريبهم، فالولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أن الدول المارقة تسعى لمد التنظيمات الإرهابية بالمساعدات لتقويتها بمختلف الطرق وهذا ما جعلها تذكر ضمن استراتيجية الأمن القومي أنها ستعمل على "تعزيز جهود مكافحة انتشار الأسلحة لحرمان الدول المارقة والإرهابيين من الحصول على المواد، والتكنولوجيا، والخبرة اللازمة لإنتاج أسلحة الدمار الشامل". وفي الاستراتيجية نفسها اعتبرت أن جمع المعلومات الاستخباراتية حول هذه المساعدات وتحليلها سيكون من صلب اهتمامات الولايات المتحدة الأمريكية.

3- سوء معاملة الشعوب التي تحكمها، لذا هي تعتبر أيضاً أنّ للدول المارقة معيار آخر للتصنيف  العلاقة بين النظام والشعوب. فإن الدول التي تسيء معاملة شعبها تشكل تهديداً للديمقراطية التي لطالما سعت الولايات المتحدة الأمريكية لنشرها على حد اعتبارها. فتعتبر أن الدول المارقة هي دكتاتورية لا تبالي بحقوق وحريات شعبها وتتعسف باستخدام القوة.

4- معاداة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل واضح وصريح، فهي غالباً ما تطلع إلى احتواء المعادين لها. وبذلك يقول هنري كيسنجر "لم يكن بمقدور (جون كنسي ادمز) اذا حدد عام 1821 ضد الرغبة بذبح الوحوش وحجمها التي ستظهر في عالم ما بعد الحرب الباردة. فليس متاحاً أن تكافح أمريكا جميع الشرور، غير أن بعضها بحاجة الى مقاومتها إن لم يكن ذبحها. فالشيء الألح حاجة هنا هو اعتماد معايير لانتقاء تلك الألح وحوش."  وهنا دلالة واضحة أن الولايات المتحدة تسعى نحو انتقاء الأعداء للجم المخاطر.

 

نماذج عن الدول المارقة وفقاً للمنظور الأمريكي

إنّ الولايات المتحدة الأمريكية أطلقت على العديد من الدول لقب "الدولة المارقة"، والجدير بالذكر أن هذا التصنيف ليس دائم وإنما يتبدل تبعاً للسياسة الخارجية. فبعض الدول كانت مارقة ومن ثم عدلت في تصرفاتها فتعاونت معها الولايات المتحدة. سنذكر بعض النماذج لكي يتضح كيف طبقت أمريكا معايير التصنيف على الدول:

ليبيا: منذ الثمانينات تعتبر الإدارة الأمريكية أن ليبيا تحت حكم معمر القذافي هي دولة خارجة عن القانون وتشكل خطراً للأمن القومي الأمريكي. بالأخص بعد حادثة طائرة بان أمريكان 103 في العام 1988  حيث تحملت ليبيا مسؤولية اسقاط الطائرة. وفي العام 1989 تم أيضاً تفجير طائرة فرنسية أوتا 772، وحُملت ليبيا مسؤولية ذلك. لذا اعتُبرت دولة داعمة للإرهاب تهدد الأمن الدولي. إلاّ أن في العام 2005 شُطبت عن لائحة اعتبارها دولة مارقة بعد أن قام القذافي ب "التخلي عن محاولات حيازة سلاح الدمار الشامل ونزل عند كل المطالب المالية للدول الغربية في مقابل الخروج من العزلة ورفع العقوبات الدولية عن البلاد."

العراق: في العام 1994 كما ذكرنا آنفاً، أعلن أنتوني ليك ضمن مقالته أن العراق دولة مارقة. وفي العام 1998 تم تحديد العراق كدولة مارقة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا لاعتبارها تشكل تهديداً لمحيطها والعالم بأسره، وأنها دولة خارجة عن القانون حيث كان يحكمها صدام حسين. ففي العام عينه نشأت أزمة المفتشين الدوليين التي "أدّت إلى عملية عسكرية أميركية- بريطانية في كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه عُرفت ب "ثعلب الصحراء"." وتحت ذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ومخالفة العراق "بالتقيّد بنص القرار 1441 الصادر عن الأمم المتحدة والقاضي بتسليم العراق الأسلحة المحظورة التي يملك دون إبطاء"، تم غزو العراق في العام 2003. وبعد غزوها تم شطبها عن لائحة الدول المارقة في العام 2005، الأمر نفسه بالنسبة لأفغانستان.

كوريا الشمالية: إطلاق لقب الدولة المارقة على كوريا الشمالية وتصنيفها ضمن دول محور الشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ينطلق من معارضة الأخيرة لعمل كوريا على استكمال برنامجها النووي. وتعود هذه القضية إلى العام 1994 "إذ أبرمت منظمة الطاقة لشبه الجزيرة الكورية (كيدو) اتفاقاً مع كوريا الشمالية بهدف تجميد مفاعلاتها المنتجة للطاقة الكهربائية والتي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، وذلك في مقابل مساعدتها على بناء مفاعلين نوويين يعملان الخفيف يتم إنجازهما في العام 2003." كما تعهدت بتزويدها بالفيول لإنتاج الكهرباء. وفي العام 2002 بعد لقاء جرى بين "الموفد الأميركي جيمس كيللي ومسؤولين كوريين شماليين، أعلنت واشنطن أن بيونغ بانغ تواصل العمل ببرنامج نووي سري يعتمد على اليورانيوم المخصب خلافاً لاتفاق العام 1994, وقامت بتعليق عملية تزويد كوريا الشمالية بمادة الفيول.

إيران: أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية على إيران تصنيف الدولة المارقة، حيث "بُعَيد قيام الثورة الإسلامية في إيران العام 1979، جرت عملية احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية في طهران مما أدى إلى انقطاع العلاقات مع الولايات المتحدة." كما أن الأخيرة تتهم طهران باستخدام منشئاتها النووية لأغراض عسكرية، وتنتهك حقوق الإنسان وتندد بدعمها لجماعات ارهابية وفقاً لآرائهم.

كوبا: اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية أن كوبا مارقة حيث اتهمت نظام كاسترو بانتهاك حقوق المواطنين. كذلك أقرت أن كوبا تسعى لدعم دول مارقة من خلال التكنولوجيا الجرثومية والأسلحة البيولوجية. 

 

انتقادات حول المفهوم الأمريكي للدولة المارقة 

وليام بلوم: يُعتبر مِن أهم المنتقدين لمِفهوم الدولة المارقة والمعايير التي تصنّف الدول على أساسها. فمن خلال كتابِه "الدولة المارقة دليل إلى القوّة العظمى الوحيدة في العالم" قد سلّط الضوء على كافة الانتهاكات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية وذكر أنّها تتخذ الإرهابيين ذريعة لإثارة المخاوف لتحقيق مصالحها، فيقول: "طوال ما يقرب من خمسين عاماً، غرس في وعي الأميركيين أنه هناك تهديداً وشيكاً بغزو سوفيتي لأوروبا الغربية وهجوماً نووياً على الولايات المتحدة. لكن لم يحدث أي شيء من هذا النوع، ولم يفكر السوفيت أبداً بشيء من هذا القبيل، لأسباب واضحة تتعلق بالحفاظ على النفس. وبعد ذلك، وعقب زوال الاتحاد السوفيتي، تم العثور على عدة بلدان معادية جديدة، إلى جانب خطر المخدرات وخطر الإرهابيين." بالإضافة إلى تركيزه على استخدامات الولايات المتحدة الأمريكية لأسلحة الدمار الشامل وللتعذيب والقتل ودعم الإرهابيين. ومن خلال كافة الأدلة حاول اثبات أن معايير الدولة المارقة تنطبق على أمريكا نفسها.

نعوم تشومسكي: انتقد نعوم تشومسكي مفهوم الدولة المارقة من خلال كتابه "الدولة المارقة استخدام القوة في الشؤون الدولية". فيعتبر أن الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة أخذت على عاتقها مسؤولية حماية العالم، ولكن تساءل مِن مَن ستحميه؟ فبنظره للتأثير هي بحاجة لِخلق أعداء جدد لذلك توجهت نحو تصنيف "الدول المارقة" لتتخذهم ذريعة بوصفهم يشكلون خطراً على أمنها القومي. كما أنه في الفصل الأول منه يذكر "هناك استخدامان لمصطلح 'الدولة المارقة'، مثله مثل مصطلحات أخرى كثيرة من مصطلحات الخطاب السياسي: الأول دعائي يطبق على أعداء مصنفين، والثاني موضوعي يطبق على دول لا تعد نفسها مقيدة بالأعراف الدولية. بيد أن المنطق يوحي بأن الدول الأكثر قوة يجب أن تصنف في الصنف الأخير إلا إذا كان هذا ممنوعاً على المستوى الداخلي، وهذا توقع يؤكده التاريخ." وبالتالي قد ركّز على انتهاكات الولايات المتحدة الأمريكية للقوانين الدولية وخلق الحجج من خلال أعداء جدد لتبرير العدوان والتدخلات. ويراها تقوم بأعمال عدوانية تنطبق عليها معايير الدولة المارقة. وفي حديثه عن المعايير يعتبر "المعايير واضحة جداً: 'الدولة المارقة" ليست دولة إجرامية فحسب، وإنما واحدة تتحدى أوامر الأقوياء، الذين هم مستثنون، بالطبع."

جاك دريدا: قد أشار دريدا إلى العديد من الإشكاليات حول مفهوم الدولة المارقة ولعلَّ أبرزها الإشكالية بين المروق والسيادة،  فيطرح أسئلة في هذا الصدد: "هل يحتكم منطق الدولة دائماً إلى مقولات الحق ودولة الحق والقانون أم أن المروق قد صار قدر الذي ليس منه مهرب؟ هل تتولد السيادة من رحم 'منطق الحق' حقاً؟ وفي علاقة بالعولمة والشمولية و 'النظام العالمي الجديد'، كيف ستقوم شبكة العلاقات المركبة والمعقدة بين الدولة، وخصوصاً في ظل تنامي الامبريالية الأمريكية وعودة منطق الأقوى ليسود من جديد؟" كما أنه قد أشار إلى الديمقراطية المارقة حيث راوده شكوك حول الخير الذي يأتي من الديمقراطية والشر الذي يطال الشعوب من جرائها. وهنا يقصد الممارسات العدوانية التي تمارس باسم الديمقراطية. فيقول في هذا السياق: "هذا يعني ببساطة أن الدول التي تعمل الآن على التنديد بها واتهامها بالتعدي على القانون وخرق القانون وكل السلوكيات الشاذة والانحرافات التي تتهم بارتكابها هي الدول المارقة أو تلك، وأن الولايات المتحدة هي التي تزعم أنها الراغبة للقانون الدولي والتي تأخذ المبادرة إلى شن الحرب أو القيام بوظائف الشرطي أو حفظ السلام لأنها تمتلك القوة لكي تفعل، هذه الولايات المتحدة والدول التي تتحالف معها في أعمالها هي نفسها بما هي ذات سيادة، في طليعة 'الدول المارقة'".

بعد أن كان مصطلح "الدولة المارقة" محصوراً بالخطابات الأمريكية، بات اليوم يطغى على كتابات وخطابات العديد من الدول الأخرى. فكل دولة، أخذت تصف الدول الأخرى التي تعارضها سياسياً بالمارقة، فالمفهوم تحول لنعت وذم في العلاقات الدولية. ولكن من يعطي الحق لأي دولة مهما تعاظمت قوتها أن تصف غيرها بذلك وأن تتذرع بهذا الأمر لتعزلها دولياً وتنزل بها أشد العقوبات؟ ونرى أحياناَ التباس حول المفاهيم وجمع بين الدولة الفاشلة والدولة المارقة، فهل كل دولة فاشلة هي دولة مارقة، أم أنه هناك اختلاف فيما بينهما؟

 

المصادر والمراجع:

المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المعجم العربي الأساسي، لاروس، 1988، غير محدد.

غراهام إيفاتز وجيفري نوينهام، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، مركز الخليج للأبحاث، الطبعة الأولى، 2004، الإمارات.

خليل حسين، العلاقات الدولية النظرية والواقع- الأشخاص والقضايا، منشورات الحلبي، 2011، بيروت.

كلايد برستوفتز، الدولة المارقة الدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية، فاضل جكتر، الحوار الثقافي،2003، لبنان.

هنري كيسنجر، الدبلوماسية من الحرب الباردة حتى يومنا هذا، مالك فاضل البديري، الأهلية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1995، الأردن.

حسان أديب البستاني، كتاب الدبلوماسية الأميركية والدبلوماسيات الممانعة، الشركة العالمية للكتاب، غير محدد، لبنان.

وليام بلوم، الدولة المارقة دليل إلى القوة العظمى في العالم، كمال السيد، 2002، القاهرة.

مديرية الدراسات الفكرية والسياسية، نصوص مختارة حول: استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، الطبعة الأولى، تشرين الأول 2002، غير محدد.

هندة العرفاوي، المثقفون العرب وأحداث 11 سبتمبر 2001، مجمع الأطرش للكتاب المختص، 2016، تونس

الأخضر بنجدو، تفكيك العقل المارق... مقاربة تحليلية نقدية لمخمصة العقل الغربي (جاك دريدا نموذجا)، دار الخليج، 2018، الأردن.

تغيير في الخطاب الامريكي الدول الخارجة عن الشرعية اصبحت تثير قلق أمريكا، البيان، 21 يوليو 2000، تاريخ الدخول: 10-12-2020، الساعة 10:30. 

الدولة المارقة، الإتحاد- الملحق الثقافي، 12 يوليو 2017، تاربخ الدخول: 13-12-2020، الساعة 3:30.

Confronting Backlash States, Anthony lake, foreign affairs, March- April 1994.

Meghan L. O’Sullivan, Replacing the Rogue Rhetoric: A New Label Opens the Way to a Better Policy, Brookings, September 2000.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia